بحث حول الخطايا

مقــدمـة:
الحمد لله والصلاة و السلام على محمد خاتم الأنبياء و الرسل وبعد :فان اختلاف الناس في أديانهم هو سنة الله في خلقه ,فلا داعي لاتخاذ هذا الاختلاف سببا للعداوة و الاقتتال في هذا العصر الذي انحدر فيه البشر إلى الطغيان وابتعدوا عن تعاليم السماء وانغمسوا في الإثم و الشر ومما يستدعي الانتباه ويدق ناقوس الخطر أن المجتمعات اليوم في سائر أمم الأرض تبتعد كليا عن وصايا الله , يفعل الفرد الموبقات دون وجل ويحلل المحرمات دون وازع من دين أو خلق , لم يأخذ في حسبانه وجود الله ولم يؤمن بيوم يلقاه , واعتبر أن حياته محصورة في أيام دنياه فعاش لا يشعر بطمأنينة في الأرض ولا يطمع بنعيم في السماء .
و إن الخطايا تنكت في القلب نكتا سوداء تحجب عنه الرؤية حتى اذا تكاثرت غلفت القلب بالسواد
فأضحى في ظلام مطبق لا يتسرب إليه نور الله " ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور "
ولا بد ان نشير الى ان ما يصيب امتنا في هذه الأيام العصيبة من بلادنا عاصفة ’ومحن قاسية ,مرده
الى انغماسنا في الخطايا , فإذا أرادت أن تنشد رحمة السماء لتدفع عنها الشقاء والبلاء , و تورقها النصر على الأعداء فلا بد ان تقلع عن خطاياها .
ونبي الإسلام محمد ين عبد الله لم يأتي إلا بالحق ليرفع الناس ويطهرهم من الدنس فالله يأمر بإقامة أسس الدين القائمة على الحق و العدل والقران يعلن أن النصارى هم اقرب الناس إلى المسلمين
قال تعالى"ولتجدن أقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا أنا نصارى ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانـهم لا يستكبرون " المائدة :82
وفي ذلك إيحاء للمسلمين والنصارى بان يتآلفوا ويتعاونوا في القضاء على الشر والفساد, ورفع راية الإسلام الذي هو جوهر دين الله.
وفي هذه المقدمة جاءت لتطرح إشكالية الخطيئة وأقسامها و أثرها على النفس الإنسانية مظهرا كيفية علاجها مستعرضا جوانبها ...
الخطايا وأقسامها .
الخطايا في الإسلام تنقسم إلى صغائر وكبائر لقوله تعالى :"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما " النساء : 31
1-الــخطايا الكبائر :
للعلماء تعريفات شتى للكبائر نجمعها فيما يلي :
كل ما نهى الله عنه , أو نص القران على تحريمه ,أو ما وجب فيه حد ,أو ما وجب فيه لعنة ,أو ما ورد فيه توعد بالعذاب بالنار يوم القيامة ,أو الغضب من الله . أو وصف فاعله بالفسق.
وقيل : إذا أردت معرفة الفرق بين الصغير أو الكبير فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها.
وقيل لا كبيرة مع استغفار ،ولا صغيرة مع إصرار والمعنى أن الكبيرة تمحى بالاستغفار و الصغيرة تصير كبيرة بالإصرار على فعلها .

عدد الخطايا الكبائـر:
الكبائر سبع لحديث لحديث صحيح ورد فيها ,والرسول صلى الله عليه وسلم يذكر في كل مقام ما تمس أليه الحاجة ,ولم يأتي على ذكر الخطايا في مقام الحصر و التحديد .
وروي عن ابن العباس انه سال عن الكبائر : أسبع هي؟ فقال : هي إلى سبعين.
2-الخطايــا الصغائـر:
يطلق على الصغائر اسم اللمم وهي التي ورد ذكرها في قوله تعالى : "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ألا اللمم إن ربك واسع المغفرة " النجم :32
واللمم هي صغائر الذنوب التي يقع فيها الإنسان إلا من عصمه اللهو هي ذنب لم يضع الله عليه حدا في الدنيا ولا عذابا في الآخرة .
3-تجنب الخطايا الظاهرة والباطنة:
من أسمى ما يطالعنا به القران الكريم هو الدعوة إلى ترك الخطايا الباطنية بجانب الظاهرية
فالخطايا الظاهرة قد يبتعد عنها الإنسان حياء من الناس و خوفا من ملامتهم , أما الباطنية فهي ناجمة عن الخوف من الله عز جل .لقوله تعالى: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن "الأعراف:33
فالمسلم رقيب على أعماله سواء كان ذلك في السراء أو الضراء لاعتقاده بان هناك سلطة الهية ستحاسبه على ذلك كما جاء في القراء :"لله ما في السماوات والأرض وان تبدوا ما أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"البقرة :284
والجدير في الذكر إن هذه الرقابة الذاتية ربطها الإسلام بوجدان المؤمن وضميره , فجعل البر والعمل الصالح ما تطمئن أليه النفس ,وجعل الإثم خلاف ذلك و يقول الرسول في هذا الأمر "البر ما سكنت إليه النفس و اطمأن إليه القلب, و الإثم ما لم تسكن ألبه النفس و لم يطمئن إليه القلب وان أفتاك المفتون
العواقب السيئة للخطايا :
1- الخطايا مقوضة للأمم.
ان الله لتنفعه طاعة الطائعين و لاتضره معصية العاصين ولكن الله حذر من المعصية لما فيها من اضرار بفاعلها
و المجتمع و رغب في الطاعات لما فيها من خير لصانعها وللغير و لقد قرر القران الكريم هذه الحقيقة بقوله من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد" فصلت46
" ان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اسائتم فعليها " الاسراء
هذه سنة الله في خلقه و لن تجد لسنة الله تبديلا، و هيى معروفة لكن من درس تاريخ الشعوب و تامل في اسباب سقوطها و انهيارها
فسقوط الدولتين اليونانية و الرو مانية كان من اهم اسبابه كثرة الفساد الذي اسثترا.و ما قيل عنهما قيل عن فرنسا ايضا عندما أصيبت بالهزيمة المنكرة و الضمار عل يد الجيش الألماني فقد قال الكاتب المشهور"اندريه موروا" " في كتابه" أسباب انهيار فرنسا في الحرب العالمية الثانية": "من أهم أسباب انهيار فرنسا هو تفسخ الشعب الفرنسي نتيجة لانتشار الرذيلة بين أفراده"
2- الخطايا تؤدي الى غضب الله وعذابه "
هذا العقاب إما أن يكون بالظواهر الطبيعية من الفيضانات او القحط او الريح ...او الثورات والحروب التي تؤدي إلى الدمار .
والقران يطلق عليها :
1-الخطيئة :اقتراف الذنب عمدا والجمع خطايا.قال تعالى:"مما خطيئتهم اغرقوا فادخلوا نارا"نوح:25
2-الذنب : معناه الإثم والجرم والمعصية. قال تعالى:"أهلكناهم بذنوبهم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين"الأنعام:6
3-الإثم: هو الذنب وقيل :عمل مالا يحل.قال تعالى:"إن الذين يكسبون الإثم يجزون بما كانوا يكسبون"الأنعام :120

4-الفسوق: هو العصيان والترك لامرالله والخروج عن طريق الحق.قالى تعالى :"أنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون " البقرة :59
- 5 سوء :هو الفجور قالى تعالى:"انهم كانوا قوم سوء أغرقناهم أجمعين"البقرة :59
6-السوء :هو السوء والفجور .قالىتعالى:"انهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين" الأنبياء:77
7-العصيان:هو خلاف الطاعة .قالى تعالى:"ومن يعصي الله ورسوله فان له نار جهنم خالدا فيها ابدا"الجن:23.
8-العتو:هو المجاوز للحد في الاستكبار.قالى تعالى:"وكان من قرية غنت عن امري ربها ورسوله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا " الطلاق:8
الفساد هو نقيض الصلاح.قالى تعالى: "فاكثرو فيها الفسادفصب عليهم ربك صوت عذاب"الفجر:12


عــلاج الخطايا:
1-التوبة في الاسلام: التوبة ندم صحيح يورث عزما يغير سلوك اىذللمرء ويحول حياته الاثمة الى حيات صالحة لقوله"ص":"الندم توبة"وامر الله جميع المؤمنين بالتوبة مرتباعلك النجاح لهم :"وتوبوا الىالله جميعا ايها المؤمنونلعلكم تفلحون"النور:31
2-خشية الله تجنب الخطايا:
إذا كان خوف الإنسان من رئيسه يقع موقعا كبيرا عليه فكيف يكون مع الله وهو ملك يوم الجزاء الذي يحاسبهم على ما ملكت أيديهم
ووصف الله المؤمنين المقربين الذين لازمهم خشية الله استعدادا لذلك اليوم المشهود:"والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب"الرعد:21
فالخوف الذي يدعوا إليه القرآن إنما هو الخوف الناشئ عن مراقبة الله والخشية من عقابه
منهج الإسلام في التكفير عن الخطايا:
1-لاوساطة بين الله والناس :
كان قسم من رجال الدين قبل الإسلام يستبدون بشؤون الناس استبدادا عجبا ,فلا يستطيع الناس إبرام أمر من أمورهم الاباذنهم , ولم يكتف رجال الدين بذلك بل جعلوا من أنفسهم وسطاء بين الرب والعباد , فمن أراد آن يتوب إلى ربه فعن طريقهم وذلك ما اثر على سلوك الناس و أتاح لهم الغناء الفاحش على حسابهم .
والإسلام أنكر هذه الوساطة و أعلن في صراحة أن الله قريب من العباد وانه يجيب دعوة الداعي اذا دعاه
لقوله تعالى: "وإذا سالك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"البقرة:186.
إذن فليس هتاك وسيط بين الخالق وعبده وقد أنبا أن على هذا الأصل أن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده مباشرة دون أن يلجئهم إلى أن يعترفوا لاحد لقوله تعالى:"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم"آل عمران:135

2-غفران الخطايا خاص بالله وحده :
ترى بعض الديانات أن الله أعطى حق غفران الخطايا لبعض أنبيائه و الصالحين من عباده ,بينما يرى الإسلام إن غفران الخطايا هو خالص لله وحده لا ينازعه عليه احد لقوله تعالى: "ومن يغفر الذنب إلا الله" أل عمران:135
فغفران الخطايا هو الأمور التي اختص بها الله وحده , و إعطائه لغيره يكون شرك به هو الذي تفرد بالخلق والآمر والحساب يوم القيامة وهذا ما ذكره القرآن الكريم : "ألم تعلم بان الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء "المائدة :40